فى لقاء ودى يحمل عبير أيام مجيدة فى تاريخ مصر فتح سيادة اللواء طيار محمد زكى عكاشة قلبه ومنزله لعدد من شباب الجيل الجديد المنبهر بأداء وشجاعة وقوة عزيمة رجال القوات المسلحة فى حروبها السابقة ضد العدو الصهيونى البغيض بصحبة الكاتب أحمد على عطية الله كهمزة وصل بن الأبطال والجيل الحيث .
بكل تواضع الأبطال سرد الطيار عكاشة لأبنائه كيف كان لنشأته دورها فى تحديد مسار حياته العسكرية فهو من مواليد محافظة الجيزة عام 1943 إصطحبه والده وهو فى السادسة من عمره إلى ميدان رمسيس لمشاهدة عودة أبطال الفالوجا من رجال الجيش المصرى عقب حرب 1948 وانفعل بالمقابلة الحاشدة والهادرة للشعب المصرى لأبنائه الأبطال وفى هذا اليوم قرر الصبى الصغير أن يكون ضابطا بالقوات المسلحة المصرية .
عنما تعاقدت مصر مع التشيك على صفقة السلاح الروسية للجيش المصرى كانت توضع نماذج من الطائرات الحربية الحديثة فى ميادين مصر ومنها كلك الطائرة فى طريق مدرسته التى يمر عليها ذهاباً وإياباً وهنا قرر أن يكون طالباً بكلية الطيران لا سيما بعد أن قابل قريبا له طالباً بها كان يستمع إليه بشغف عن الحياة بهذه الكلية .
وبدأ الخطوة الجادة فى حياته بألتحاقه بكلية الطيران عام 1959 وأستمر بها ثلاثة أعوام كادت أن تنتهى بأبعاده عن الطيران وحلم حياته فأثناء تدريبات الطيران كان يمكنه الاقلاع بالطائرة والتحليق بها بصورة جيدة ولكن كان لديه مشكلة فى الهبوط حيث كانت الطائرة تقفز منه عدة قفزات على الممر وحاول مدربه بالطائرة الهندى الجنسية فى إطار تبادل معلمى الطيران أن ينبهه بذلك ولكن بتعبير لم يألفه ولم يسمعه من قبل وهو " تشيك .. تشيك .." وعندما شعر بأمكانية إستبعاده من الكلية وبدا عليه الحزن .. فأستفسر منه ا؛د زملائه عن سر حزنه فأخبره بالقصة ففك له صديقه لغز العبارة المبهمة ويقصد بها المرب أن يرتفع بمقدمة الطائرة قليلاً أثناء الهبوط وبالفعل نفذ الهبوط بهذه الطريقة وتخرج الطيار محمد عكاشة عام 1962 ليلتحق بتشكيلات الميج 15 ثم الميج 17 ، وقضى بضعة شهور باليمن ضمن تشكيلاتنا العاملة هناك ، وعاد عام 1963 حيث تم تكليفه بالسفر إلى الهند للحصول على فرقة معلم طيران لمدة أربعة شهور ليعود فى مايو 1964 مدساً بكلية الطيران ( الجوية حالياً) .
وعن ذكرياته عن النكسة الأليمة عام 67 وكان شاهداً عليها يذكر أنه عقب العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 والتى تم خلالها الهحوم على جميع القواعد الجوية المصرية وتدميرها وإخراج سلاحنا الجوى من المعركة وإسرائيل تعمل على قدم وساق وتتدرب على نفس الخطة تدريباً متواصلاً آخذة الموضوع مأخذ الجدية فى الوقت الذى إنساقت فيه مصر لأبواق الدعاية التى هللت للنصر السياسى الذى أحرزته مصر عن إستحقاق متناسية الهزيمة العسكرية ولم تدرس أسبابها وكيفية الاستفادة من دروسها .. فساعات تدريبات الطيارين محدودة ، والخطط المسبقة لعمل جماعى غير موجودة ، الطائرات مكشوفة وشهد الشهر السابق ليونيو 1967 أوامر غير متزنة فاللواء عكاشة على سبيل المثال وصلته أوامر بالتحرك إلى إحدى قواعد سيناء ، ثم أمر آخر بالتحرك إلى الغردقة ثم ألماظة ثم غرب القاهرة ثم قاعدة بالقناة ثم العودة مرة أخرى إلى غرب القاهرة ثم أمراً بالسفر غلى اليمن لحماية قوات الجيش هناك .. كل ذلك خلال شهر مايو 1967 ..وفى اليمن إستمعوا فى البداية إلى اليانات غير الصحيحة عن معركة يونيو 1967.
أثارت البيانات الصادرة من الاذاعة المصرية حماسة الطيارين المصريين باليمن وتمنوا لو كانوا موجودين بين زملائهم على جبهة سيناء ومالبثت الأوامر أن صدرت بطلب 6 طائرات من الموجودة باليمن .. وكم أثار هذا الطلب حيرة الطيارين باليمن فهم يعلمون حجم سلاحهم الجوى فى ذلك الوقت وأن طلب القيادة الاستعانة بستة طائرات من عندهم لهو دليل على كارثة حلت بسلاح الجو المصرى ، ولما كان مدى هذه الطائرات لا يسمح لها بالطيران المباشر إلى الأراضى المصرية ، وإعتذرت السعودية عن سوء حال مطاراتها لأستقبال الطائرات المصرية فى طريق عودتها كان الحل فك الطائرات وشحنها على طائرات النقل ولكن ذلك كان يستلزم مزيد من الوقت ومالبثت القيادة أن ألغت الأمر وبعد فترة قصيرة عاد عكاشة إلى مصر وتشفت أمامه الحقائق.. أفضل ما فى الأمر أن مصر لم تمضى طويلاً فى ندب حظها أو البكاء على اللبن المسكوب إنما بدأت عملاً جاداً وجهداَ مضنياً كان اللواء عكاشة شاهداً عليه..
فحدث تغيير فى القيادات حيث تقدم أولى الخبرة والكفاءة ليحلوا محل أولو الثقة ، تم تشييد ملاجئ خرسانية للطائرات ، زادت ساعات التدريب وعدد الطلعات للطيارين ، وبدأ البطل محمد عكاشة قيادة سربه فى عمليات الاستنزاف التى كان لها الفضل فى إبتكار العقيدة المصرية فى القتال الجوى ففى بداية سلاح الجو المصرى كان يتبع عقيدة القتال الغربية متمثلة فى محاكاة بريطانيا التى كانت تحتل مصر وظلت هذه العقيدة موجودة حتى حصول مصر على السلاح الشرقى عقب الثورة وإتبع عقيدة القتال الشرقية ولكن مجريات حرب الاستنزاف دفعت مقاتلينا فى سلاح الجو إلى إبتكار وسيلة ملائمة فى القتال تقلل الخسائر لأقل حد وخصوصاً تغيير الأرتفاع اللازم إتخاذه عند الهجوم عاى الأهداف الأرضية لتقليل زمن الظهور أمام المضادات الأرضية للعدو . وكان عكاشة أول من درب سربه من الميج 17 على هذه الوسيلة التى أخذت بها باقى الأسراب.
وقد تمكن عكاشة بسربه أثناء حرب الاستنزاف من تنفيذ 12 غارة على مواقع العدو بسيناء ثلاثة منها ضد حصون خط بارليف , و9 ضد موقع صواريخ الهوك برمانة المسؤل عن حماية القطاع الشمالى من الجبهة ، وقد أحدث به خسائر فى غاية الدقة للدرجة التى دعت زمبله فى السرب يمازحح عقب إلقائه القنابل على موقع قيادة العدو بقوله فى جهاز اللاسلكى :
يا أقندم إنت نزلت القنابل فى حجر الراجل اللى جالس فى غرفة القيادة
هكذا كانت وستظل بإذن الله روح الحب والألفة بين أعضاء السرب الواحد أصعب الظروف.
ويذكر اللواء عكاشة بعض الاحصائيات عن حرب الأستنزاف التى أخذت ووقت وجهد ونتائج كبيرة والتى لا يرد ذكرها إلا بعبارة قصيرة سريعة أن هذه الحرب شارك فيها من الجانب المصرى350 طائرة مقابل 504 من الجانب الاسرائيلى.. قامت الطائرات المصرية ب ألف وتسعمائة طلعة منها ربعمائة وسبعون طلعة قصف ألقينا خلالها ثلثمائة وعشرة طناً من المتفجرات مقابل 7974 طلعة من الجانب الاسرائيلى ألقوا خلالها 21 ألف و530 طن من القنابل .. كانت خسائرنا من ذلك 166 شهيد و318 جريح بفضل حسن إحتماء جنودنا بالحفر البرميلية ، فى حين كانت خسائرهم 827 قتيل و 3140 جريح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق